Jumat, 04 Desember 2009

MATERI PENGAJIAN TAFSIR WAQIAH

[إذا وقعت الواقعة] أي إذا قامت القيامة ، التي لابد من وقوعها ، وحدثت الداهية الطامة، التي ينخلع لها قلب الإنسان ، كان من الأهوال ما لا يصفه الخيال ، قال البيضاوي : سميت واقعة لتحقق وقوعها وقيل : لأنها تقع عن قرب . وقيل : لكثرة ما يقع فيها من الشدائد . وفيه إضمار ، أي اذكروا إذا وقعت الواقعة . وقال الجرجاني : «إِذا» صلة؛ أي وقعت الواقعة؛ كقوله : { اقتربت الساعة } [ القمر : 1 ] و { أتى أَمْرُ الله } [ النحل : 1 ] وهو كما يقال : قد جاء الصوم أي دنا واقترب . وعلى الأوّل «إِذَا» للوقت ، والجواب قوله
: { فأصحاب الميمنة مَآ أصحاب الميمنة }
وقال ابن عباس : الواقعة اسم من أسماء القيامة ، كالصاخة ، والآزفة ، والطامة ، وهذه الأشياء تقتضي عظم شأنها. يقول القرطبي معللا لسبب كثرة أسماء يوم القيامة: ( وكل ما عظم شأنه تعددت صفاته وكثرت أسماؤه ، وهذا مهيع كلام العرب ، ألا ترى أن السيف لما عظم عندهم موضعه وتأكد نفعه لديهم وموقعه جمعوا له خمسمائة أسم وله نظائر ، فالقيامة لما عظم أمرها وكثرة أهوالها سماها الله تعالى في كتابه بأسماء عديدة ووصفها بأوصاف كثيرة )ا

وهذه بعض أسماء يوم القيامة : يوم الآزفة : قال تعالى ( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) ويوم التغابن: قال تعالى ( وم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن) ويوم التلاق : قال تعالى ( رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق) ويوم الصاخة : قال تعالى : ( فإذا جاءت الصاخة ) ويوم الواقعة : قال تعالى ( إذا وقعت الواقعة ) ويوم الطامة الكبرى : قال تعالى ( فإذا جاءت الطامة الكبرى ) ويوم القارعة: قال تعالى ( القارعة ، ما القارعة ) ويوم الغاشية : قال تعالى ( هل أتاك حديث الغاشية ) ويوم الحاقة : قال تعالى ( الحاقة ، ما الحاقة ) ويوم الحساب : قال تعالى ( هذا ما توعدون ليوم الحساب ) ويوم الدين : قال تعالى ( مالك يوم الدين ) ويوم الفصل : قال تعالى ( إن يوم الفصل كان ميقاتا )ويوم الوعيد : قال تعالى ( ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ) واليوم المشهود: قال تعالى ( ذلك يوم مجعون له الناس وذلك يوم مشهود ) ويوم الخلود : قال تعالى (ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود ) واليوم العظيم : قال تعالى ( قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) ويوم التناد : قال تعالى (ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ) ويوم الجمع: قال تعالى ( لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لاريب فيه ) ويوم الحسرة : قال تعالى ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ) ويوم الخروج : قال تعالى : (يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج ) والساعة : قال تعالى ( إن الساعة آتية أكاد أخفيها ) ويوم الفتح : قال تعالى : ( قل يوم الفتح لا ينفع الذيم كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون )

[ليس لوقعتها كاذبة] أي لا يكون عند وقوعها نفس كاذبة، لكذب بوقوعها كحال المكذبين اليوم ، لأن كل نفس تؤمن حينئذ ، لأنها ترى العذاب عيانا ، كقوله تعالى : [فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده] (( هذا القول هو الأرجح في تفسير الآية الكريمة وهو اخنيار البيضاوي وأبي السعود والألوسى ، واختار ابن كثير أن المعنى : ليس لوقوعها - إذا اراد الله - صارف يصرفها ولا دافع يدفعها ، وروي نحو هذا عن الحسن وقتادة : والأول أدق وأظهر ، والله اعلم )).

[خافضة رافعة] أي هي خافضة لأقوام رافعة لآخرين ، تخفض أعداء الله في النار، وترفع أولياء الله في الجنة، قال الحسن : تخفض أقواها إلى الجحيم ، وإن كانوا في الدنيا أعزة ، وترفع آخرين إلى أعلى عليين ، وإن كانوا في الدنيا وضعاء.. ثم بين تعالى متى يكون ذلك ، فقال سبحانه :

[إذا رجت الأرض رجا] أي زلزلت زلزالا عنيفا ، واضطربت اضطرابا شديدا ، بحيث ينهدم كل ما حولها، وما فوقها من بناء شامخ ، وطود راسخ ، قال المفسرون : ترج كما يرج الصبى في المهد، حتى ينهدم كل ما عليها من بناء، وينكسر كل ما فيها من جبال وحصون

[وبست الجبال بسا] أي فتتت تفتيتا حتى صارت كالدقيق المبسوس - وهو المبلول - بعد أن كانت شامخة

[فكانت هباء منبثا] أي فصارت غبارا متفرقا، متطايرا في الهواء ، كالذي يرى في شعاع الشمس إذا دخل النافذة فهذا هو الهباء ، والمنبث المتفرق ، وهذه الآية كقوله تعالى : [وتكون الجبال كالعهن المنفوش ] وقوله : [وسيرت الجبال فكانت سرابا]




[وكنتم أزواجا ثلاتة] أي وكنتم - أيها الناس - أصنافا وفرقا ثلاثة "أهل اليمين ، وأهل الشمال ، وأهل السبق" فأما السابقون فهم أهل الدرجات العلى في الجنة ، وأما أصحاب اليمين فهم سائر أهل الجنة ، وأما أصحاب الشمال فهم أهل النار، وهذه مراتب الناس في الآخرة!! قال ميمون بن مهران : إثنان في الجنة وواحد في النار ، ثم فصلهم تعالى بقوله :

[فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة]؟ استفهام للتفخيم والتعظيم أي هل تدري أي شيء أصحاب الميمنة؟ من هم ؟ وما هي حالهم وصفتهم ؟ إنهم الذين يؤتون صحائفهم في أيمانهم ، فهو تعجيب لحالهم ، وتعظيم لشأنهم ، في دخولهم الجنة وتنعمهم بها

[وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة]؟ أي هل تدري من هم ؟ وما هي حالهم وصفتهم ؟ إنهم الذين يؤتون صحائفهم بشمالهم ، ففيه تعجيب لحالهم في دخولهم النار وشقائهم ، قال القرطبي : والتكرير في [ما أصحاب الميمنة] و[ما أصحاب المشئمة] للتفخيم والتعجيب كقوله [الحاقة ما الحاقة] وقوله : [القارعة ما القارعة] وقال الألوسي : والمقصود التفخيم في الأول ، والتفظيع في الثاني ، وتعجيب السامع من شأن الفريقين ، في الفخامة والفظاعة كأنه قيل : فأصحاب الميمنة في غاية حسن الحال ، وأصحاب المشأمة في غاية سوء الحال

وفي صحيح مسلم من حديث الإسراء عن أبي ذرّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " فلما عَلَونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أَسْوِدة وعن يساره أَسْوِدة قال فإذا نظر قِبل يمينه ضحك وإذا نظر قِبل شماله بكى قال فقال مرحباً بالنبيّ الصالح والابن الصالح قال قلت يا جبريل من هذا قال هذا آدم عليه السلام وهذه الأسوِدة التي عن يمينه وعن شماله نَسَم بنيه فأهل اليمين أهل الجنة والأسوِدة التي عن شماله أهل النار "ق

[والسابقون السابقون ] هذا هو الصنف الثالث من الأزواج الثلاثة أي والسابقون إلى الخيرات والحسنات ، هم السابقون إلى النعيم والجنات

روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : « السابقون الذين إذا أعطوا الحقّ قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم » ذكره المهدوي . وقال محمد بن كعب القُرَظيّ : إنهم الأنبياء . الحسن وقتادة : السابقون إلى الإيمان من كل أمة . ونحوه عن عكرمة . محمد بن سيرين : هم الذين صَلُّوا إلى القبلتين؛ دليله قوله تعالى : { والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار } [ التوبة : 100 ] . وقال مجاهد وغيره : هم السابقون إلى الجهاد ، وأوّل الناس رواحاً إلى الصلاة . وقال عليّ رضي الله عنه : هم السابقون إلى الصلوات الخمس . الضحاك : إلى الجهاد . سعيد بن جُبير : إلى التوبة وأعمال البر؛ قال الله تعالى : { وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [ آل عمران : 133 ] ثم أثنى عليهم فقال : { أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } [ المؤمنون : 61 ] . وقيل : إنهم أربعة؛ منهم سابق أمة موسى وهو حزقيل مؤمن آل فرعون ، وسابق أمة عيسى وهو حبيب النجار صاحب أنطاكية ، وسابقان في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما؛ قاله ابن عباس؛ حكاه الماوردي . وقال شُمَيْط بن العجلان : الناس ثلاثة؛ فرجل ابتكر للخير في حداثة سنه داوم عليه حتى خرج من الدنيا فهذا هو السابق المقرّب ، ورجل ابتكر عمره بالذنوب ثم طول الغفلة ثم رجع بتوبته حتى ختم له بها فهذا من أصحاب اليمين ، ورجل ابتكر عمره بالذنوب ثم لم يزل عليها حتى ختم له بها فهذا من أصحاب الشمال ق

، ثم أثنى عليهم بقوله : [أولئك المقربون ] أي أولئك هم المقربون من الله ، في جواره ، وفي ظل عرشه ، ودار كرامته

[في جنات النعيم ] أي هم في جنات الخلد يتنعمون فيها ، قال الخازن : فإن قلت : لم أخر ذكر السابقين وكانوا أولى بالتقديم على أصحاب اليمين ؟ قلت : فيه لطيفة ، وذلك أن الله ذكر في أول السورة الأمور الهائلة عند قيام الساعة تخويفا لعباده ، فإما محسن فيزداد رغبة في الثواب ، وإما مسيء فيرجع عن إساءته خوفا من العقاب ، فلذلك قدم أصحاب اليمين ليسمعوا ويرغبوا ، ثم ذكر أصحاب الشمال ليرهبوا ، ثم ذكر السابقين وهم الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر ليجدوا ويجتهدوا

[ثلة من الأولين] أي السابقون المقربون جماعة كثيرة من الأمم السالفة والثُّلَّة من ثَلَلت الشيء أي قطعته ، فمعنى ثلة كمعنى فرقة؛ قاله الزجاج

[وقليل من الأخرين ] أي وهم قليل من هذه الأمة ، قال القرطبي : وسموا قليلا بالإضافة إلى من كان قبلهم ، لأن الأنبياء المتقدمين كانوا كثيرين ، فكثر السابقون إلى الإيمان منهم ، فزادوا على عدد من سبق إلى التصديق من أمتنا ، قال الحسن : سابقوا من مضى أكثر من سابقينا ، ثم تلا الآية وقيل : إن المراد بقوله :[والسابقون السابقون] أول هذه الأمة ، والآخرون المتأخرون من هذه الأمة ، فيكون كلا الفريقين من أمة محمد (ص) (( القول الأول الذي أسلفناه هو اختيار جمهور المفسرين ، كابن جرير ، وأبي السعود ، والقرطبي ، والبيضاوي ، والألوسي ، واختار ابن كثير القول الثاني فقال : القول الذي اختاره ابن جرير فيه نظر بل ضعيف ، لأن هذه الأمة هي خير الأمم بنص القرآن ، فيبعد أن يكون المقربون في غيرها أكثر منها . . الخ أقول : قد علمت أن الأنبياء كثرة كثيرة وكلهم من السابقين ، فاذا انضم إليهم أتباعهم من الخواص كانوا اكثر من خواص هذه الأمة ، وتبقى أمة محمد (ص) أكثر الأمم دخولا الجنة وأفضل الأمم بمجموعها لا بخواصها ، فيندفع بذلك الإشكال ، والله أعلم )).

وقيل : لما نزل هذا شَقَّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت : { ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين } { وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخرين } فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة بل ثلثَ أهل الجنة بل نصفَ أهل الجنة وتقاسمونهم في النصف الثاني " رواه أبو هريرة ، ذكره الماوردي وغيره .

[على سرر موضونة] أي جالسين على أسرة منسوجة بقضبان الذهب ، مرصعة بالدر والياقوت ، قال ابن عباس : [موضونة] أي مرمولة بالذهب يعني منسوجة به . قال ابن عباس : منسوجة بالذهب . وقال عكرمة : مشبكة بالدُّرّ والياقوت .

[متكئين عليها] أي حال كونهم مضطجعين على تلك الأسرة، شأن المنعمين المترفين

[متقابلين] أي وجوه بعضهم إلى بعض ، ليس أحد وراء أحد ، وهذا أدخل في السرور ، وأكمل في أدب الجلوس. أي لا يرى بعضهم قَفَا بعض ، بل تدور بهم الأسرة ، وهذا في المؤمن وزوجته وأهله؛ أي يتكئون متقابلين . قاله مجاهد وغيره . وقال الكلبيّ : طول كل سرير ثلثمائة ذراع ، فإذا أراد العبد أن يجلس عليها تواضعت فإذا جلس عليها ارتفعت .

[يطوف عليهم ولدان مخلدون] أي يدور عليهم للخدمة أطفال في نضارة الصبا ، لا يموتون ولا يهرمون ، قال أبو حيان : وصفوا بالخلد -وإن كان كل من في الجنة مخلدا- ليدل على أنهم يبقون دائما في سن الولدان ، لا يتحولون ولا يكبرون ، كما وصفهم جل وعلا. وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري : الولدان ههنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغاراً ولا حسنة لهم ولا سيئة . وقال سلمان الفارسيّ : أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة . قال الحسن : لم يكن لهم حسنات يجزون بها ، ولا سيئات يعاقبون عليها ، فوضعوا في هذا الموضع . والمقصود : أن أهل الجنة على أتم السرور والنعمة ، والنعمة إنما تتم بآحتفاف الخدم والولدان بالإنسان .

[بأكواب] أي بأقداح كبيرة مستديرة لا عرى لها

[وأباريق ] جمع إبريق أي وبأباريق لها عرى ، تبرق من صفاء لونها

[وكأس من معين ] أي وكأسيى من خمر لذة ، جارية من العيون ، قال ابن عباس : لم تعصر كخمر الدنيا بل هي من عيون سارحة ، قال القرطبي : والمعين الجاري من ماء أو خمر، غير أن المراد في هذا الموضع : الخمر الجارية من العيون ، ليست كخمر الدنيا ، التي تستخرج بعصر وتكلف ومعالجة

[لا يصدعون عنها] أي لا تنصدع رءوسهم من شربها. أي إنها لذة بلا أذًى بخلاف شراب الدنيا

[ولا ينزفون ] أي ولا يسكرون فتذهب بعقولهم ، كخمر الدنيا ، قال ابن عباس : في الخمر أربع خصال : "السكر ، والصداع ، والقيء ، والبول "وقد ذكر تعالى خمر الجنة ، ونزهها عن هذه الخصال الذميمة

[وفاكهة مما يتخيرون ] أي ولهم فيها فاكهة كثيرة ، يختارون ما تشتهيه نفوسهم لكثرتها وتنوعها

[ولحم طير مما يشتهون ] أي ولحم طير مما يحبون ويشتهون ، قال ابن عباس : يخطر على قلب أحدهم لحم الطير فيطير، حتى يقع بين يديه على ما اشتهى، مقليا أو مشـويا، وفي الحديث : (إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا) قال الرازي : وقدم الفاكهة على اللحم ، لأن أهل الجنة يأكلون لا عن جوع ، بل للتفكه ، فميلهم إلى الفاكهة أكثر، كحال الشبعان في الدنيا فلذلك قدمها

[وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون] أي ولهم مع ذلك النعيم ، نساء من الحور العين ، الواسعات العيون ، في غاية الجمال والبهاء، كأنهن اللؤلؤ في الصفاء والنقاء ، الذي لم تمسه الأيدي ، قال في التسهيل : شبههن باللؤلؤ في البياض ، ووصفه بالمكنون لأنه أبعد عن تغيير حسنه ، وحين سألت "أم سلمة" رسول الله (ص)عن هذا التشبيه قال : "صفاؤهن كصفاء الدر في الأصداف ، الذي لم تمسه الأيدي " . وقال خالد بن الوليد : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الرجل من أهل الجنة ليمسك التفاحة من تفاح الجنة فتنفلق في يده فتخرج منها حوراء لو نظرت للشمس لأخجلت الشمس من حسنها من غير أن ينقص من التفاحة " فقال له رجل : يا أبا سليمان إن هذا لعجبٌ ولا ينقص من التفاحة؟ قال : نعم كالسِّراج الذي يوقد منه سِراج آخر وسُرج ولا ينقص ، والله على ما يشاء قدير .

[جزاء بما كانوا يعملون ] أي جعلنا لهم ذلك كله ، جزاء لعملهم الصالح في الدنيا .. ثم أخبر تعالى عن كمال نعيمهم في الجنة، فقال سبحانه :

[لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما] أي لا يطرق آذانهم فاحش الكلام ، ولا يلحقهم إثم مما يسمعون ، قال ابن عباس : لا يسمعون باطلا ولا كذبا
واللغو ما يُلغى من الكلام ، والتأثيم مصدر أَثَّمْته أي قلت له أثمت . محمد بن كعب : { وَلاَ تَأْثِيماً } أي لا يؤثِّم بعضُهم بعضاً .مجاهد : { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } شتماً ولا مأثماً .ق

[إلا قيلا سلاما سلاما] أي إلا قول بعضهم لبعض سلاما سلاما، يحمي به بعضهم بعضا، ويفشون السلام فيما بينهم ، قال في البحر : والظاهر أنه استثناء منقطع لأنه لم يندرج في اللغو ولا التأثيم وقال أبو السعود : والمعني : أنهم يفشون السلام ، فيسلمون سلاما بعد سلام ، أو لا يسمع كل منهم إلا سلام الآخر، بدءا أو ردا..

ثم شرع في تفصيل أحوال الصنف الثاني وهم أصحاب اليمين
فقال :

[وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ]؟ استفهام للتعظيم والتعجيب من حالهم ، أي ما أدراك من هم ، وما هي حالهم ؟ رجع إلى ذكر منازل أصحاب الميمنة وهم السابقون على ما تقدّم ، والتكرير لتعظيم شأن النعيم الذي هم فيه .

[في سدر مخضود] أي هم تحت أشجار النبق ، الذي قطع شوكه ، قال المفسرون : والسدر : شجر النبق ، والمخضود الذي خضد أي قطع شوكه ، وفي الحديث : (أن أعرابيا جاء إلى رسول الله (ص)فقال يا رسول الله : آن آلله تعالى ذكر في الجنة شجرة تؤذي صاحبها ، فقال : وما هي ؟ قال :السدر، فإن له شوكا، فقال رسول الله (ص): أليس الله يقول : [في سدر مخضود]؟ خضد الله شوكه ، فجعل مكان كل شوكة ثمرة، وإن الثمرة من ثمره ، تفتق عن اثنين وسبعين لونا من الطعام ، ما فيها لون يشبه الآخر) . وقال أبو العالية والضحاك : نظر المسلمون إلى وَجٍّ ( وهو وادٍ بالطائف مخصب ) فأعجبهم سِدره ، فقالوا : يا ليت لنا مثل هذا؛ فنزلت ق

[وطلح منضود] هو شجر الموز، ومعنى [منضود] أي متراكم ، قد نضد بالحمل من أسفله إلى أعلاه

[وظل ممدود] أي وظل دائم باقي ، لا يزول ولا تنسخه الشمس ، لأن الجنة ظل كلها، لا شمس فيها [لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا] وفي الحديث : (إن فى الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مالة عام لا يقطعها ، واقرءوا إن شئتم [وظل ممدود] وقال الرازي : ومعنى [ممدود] أي لا زوال له فهو دائم كما قال تعالى [أكلها دائم وظلها] أي دائم ، والظل ليس ظل الأشجار، بل ظل يخلقه الله تعالى

[وماء مسكوب ] أي وماء جار دائما لا ينقطع ، يجري في غير أخدود ، قال القرطبي : كانت العرب أصحاب بادية ، والأنهار في بلادهم عزيزة ، لا يصلون إلى الماء ، إلا بالدلو والرشاء ، فوعدوا بالجنة بأسباب النزهة ، وهي الأشجار وظلالها ، والمياه والأنهار وجريانها

[وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة] أي وفاكهة كثيرة متنوعة ، ليست بالقليلة العزيزة، كما كانت في بلادهم ، ولا تنقطع كما تنقطع ثمار الدنيا في الشتاء، وليست ممنوعة عن أحد، قال ابن عباس : لا تنقطع إذا جنيت ، ولا تمتنع من أحد إذا أراد أخذها وفي الحديث : (ما قطعت ثمرة من ثمار الجنة ، إلا عاد مكانها أخرى)
{ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } أي لا يُحظَر عليها كثمار الدنيا . وقيل : «وَلاَ مَمْنُوعَةٍ» أي لا يُمنع من أرادها بشوك ولا بُعد ( ولا ) حائط ، بل إذا اشتهاها العبد دنت منه حتى يأخذها؛ق


[وفرش مرفوعة] أي عالية وطيئة ناعمة ، وفي الحديث : (ارتفاعها كما بين السماء والأرض ، ومسيرة ما بينهما خمس مائة عام ) قال الألوسي : ولا تستبعد هذا من حيث العروج والنزول ، فالعالم عالم آخر، فوق طور عقلك تنخفض للمؤمن إذا أراد الجلوس عليها ثم ترتفع به ، والله على كل شيء قدير. وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث : الفُرُش في الدرجات ، وما بين الدرجات كما بين السماء والأرض . وقيل : إن الفُرُش هنا كناية عن النّساء اللواتي في الجنة ولم يتقدّم لهنّ ذكر ، ولكن قوله عز وجل : { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } دالٌّ؛ لأنها محل النّساء؛ فالمعنى ونساء مرتفعات الأقدار في حسنهنّ وكمالهنّ؛ والعرب تسمي المرأة فِراشاً ولبِاساً وإِزاراً.

[إنا أنشأناهن إنشاء] أي خلقنا نساء الجنة خلقا جديدا ، وأبدعناهن إبداعا عجيبا، قال فى التسهيل : ومعنى إنشاء النساء، أن الله تعالى يخلقهن في الجنة، خلقا آخر في غاية الحسن بخلاف الدنيا، فالعجوز ترجع شابة، والقبيحة ترجع جميلة قال ابن عباس : يعني الآدميات العجائز الشمط ، خلقهن الله بعد الكبر والهرم خلق آخر
وقال المسيِّب بن شريك : " قال النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً } الآية قال : «هنّ عجائز الدنيا أنشأهنّ الله خلقاً جديداً كلما أتاهنّ أزواجهنّ وجدوهنّ أبكاراً» فلما سمعت عائشة ذلك قالت : واوجعاها فقال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم : «ليس هناك وجع» "

[فجعلناهن أبكارا] أي فجعلناهن عذارى ، كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا

[عربا] جمع عروب وهي المتحببة لزوجها ، العاشقة له ، قال مجاهد : هن العاشقات لأزواجهن المتحببات لهن ، اللواتي يشتهين أزواجهن (( قال البخارى : العروب هي الغنجة ، وأهل العراق يقولون : الشكلة ، وأهل مكة يقولون : العربة )).

[أترابا] أي مستويات في السن مع أزواجهن ، في سن أبناء ثلاث وثلاثين ، وقد ورد عن أم سلمة رضى الله عنها قالت : "سألت النبى (ص)عن قوله تعالى : [إنا أنشأنهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا] فقال يا أم سلمة : هن اللواتي قبضن في الدنيا عجائز، شمطا، عمشا ، رمصا ، جعلهن الله بعد الكبر، أترابا على ميلاد واحد في الاستواء" وفي الحديث "أن امرأة عجوزا جاءت النبي (ص) فقالت يا رسول الله : أدع الله أن يدخلني الجنة، فقال : يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز، فولت تبكي ، فقال : أخبروها أنها لا تدخلها وهى عجوز، فإن الله تعالى يقول : [إنا أنشأنهن إنشاء فجعلناهن أبكارا] وقيل : { أَتْرَاباً } أمثالاً وأشكالاً؛ قاله مجاهد . السُّدّي : أتراب في الأخلاق لا تباغض بينهنّ ولا تحاسد

[لأصحاب اليمين ] أي أنشأنا هؤلاء النساء الأبكار لأصحاب اليمين ، ليستمتعوا بهن في الجنة، ثم قال تعالى :

[ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ] أي هم جماعة من الأولين من الأمم الماضية، وجماعة من المتأخرين من أمة محمد (ص)، قال في البحر : ولا تنافي بين هذه الآية [وثلة من الآخرين ] وبين الآية التي سبقتها وهي قوله : [وقليل من الآخرين ] لأن الثانية في السابقين ، فلذلك قال : [وقليل من الآخرين ] وهذه في أصحاب اليمين ، ولذلك قال : [وثلة من الآخرين] .. رواه ابن ماجه في سننه والترمذيّ في جامعه عن بُريدة بن خَصيب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أهل الجنة عشرون ومائة صفٍّ ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم " قال أبو عيسى : هذا حديث حسن .



ثم شرع تعالى في بيان الصنف الثالث وهم أهل النار، فقال سبحانه :

[وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ] استفهام يراد منه التهويل والتفظيع والتعجيب من حالهم أي وأصحاب الشمال - وهم الذين يعطون كتبهم بشمائلهم - ما أصحاب الشمال ؟ أي ما حالهم وكيف مآلهم ؟ ثم فصل تعالى حالهم ، فقال :

[في سموم وحميم ] أي في ريح حارة من النار، تنفذ في المسام ، وماء شديد الحرارة. ماء حار قد انتهى حره ، إذا أحرقت النار أكبادهم وأجسادهم فزعوا إلى الحميم ، كالذي يفزع من النار إلى الماء ليطفىء به الحر فيجده حميماً حارًّا في نهاية الحرارة والغليان { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً }سورة محمد 15 أي حاراً شديد الغليان ، إذا أُدْني منهم شوى وجوههم ، ووقعت فروة رؤوسهم؛ فإذا شربوه قطع أمعاءهم وأخرجها من دبورهم . والأمعاء : جمع مِعًى ، والتثنية مِعيان ، وهو جميع ما في البطن من الحوايا .

[وظل من يحموم ] أي في ظل من دخان أسود شديد السواد يفزعون من السَّموم إلى الظلّ كما يفزع أهل الدنيا فيجدونه ظلاً من يَحْموم؛ أي من دخان جهنم أسود شديد السواد . وقال الضحاك : النار سوداء وأهلها سود وكل ما فيها أسود

[لا بارد] أي ليس هذا الظل باردا، يستروح به النسيم من شدة الحر

[ولا كريم ] أي وليس حسن المنظر، يسر به من يستفيء بظله ، قال الخازن : إن فائدة الظل ترجع إلى أمرين : أحدهما : دفع الحر، والثاني : حسن المنظر، وكون الإنسان فيه مكرما، وظل أهل النار بخلاف هذا، لأنهم في ظل من دخان أسود حار .. ثم بين تعالى سبب استحقاقهم ذلك العذاب فقال :

[إنهم كانوا قبل ذلك مترفين ] أي لأنهم كانوا في الدنيا منعمين ، مقبلين على الشهوات والملذات
وقال السديّ : «مُتْرَفِينَ» أي مشركين

[وكانوا يصرون على الحنث العظيم ] أي وكانوا يداومون على الذنب العظيم ، وهو الشرك بالله ، قال المفسرون : لفظ الإصرار يدل على المداومة على المعصية ، والحنث : هو الذنب الكبير، والمراد به هنا : الكفر بالله كما قاله ابن عباس . وقال قتادة ومجاهد : الذنب العظيم الذي لا يتوبون منه . الشعبي : هو اليمين الغَمُوس وهي من الكبائر؛ يقال : حَنِث في يمينه أي لم يَبَرَّها ورجع فيها . وفي الخبر : كان يَتحنَّث في حِرَاء؛ أي يفعل ما يسقط عن نفسه الْحِنث وهو الذنب

[وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ] أي هل سنبعث بعد أن تصبح أجسادنا ترابا وعظاما نخرة؟ وهذا استبعاد منهم لأمر البعث وتكذيب له

[أو أباؤنا الأولون ]؟ تأكيد للإنكار ومبالغة فيه ، أي وهل سيبعث أباؤنا الأوائل ؟ بعد أن بليت أجسامهم ، وتفتت عظامهم ؟

[قل إن الأولين والأخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ] أي قل لهم يا محمد : أن الخلائق جميعا، السابقين منهم واللاحقين ، سيجمعون ويحشرون ليوم الحساب ، الذي حدده الله بوقت معلوم ، لا يتقدم ولا يتأخر، كما قال سبحانه [ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود]

[ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم ] أي ثم إنكم يا معشر كفار مكة ،0 الضالون عن الهدى ، المكذبون بالبعث والنشور، لآكلون من شجر الزقوم ، الذي ينبت في أصل الجحيم. وهو شجر كريه المنظر ، كريه الطّعم ، وهي التي ذكرت في سورة الصافات : أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)
وشجرة الزقوم مشتقة من التزقم وهو البلع على جهد لكراهتها ونتْنها . قال المفسرون : وهي في الباب السادس ، وأنها تحيا بلهب النار كما تحيا الشجرة ببرد الماء؛ فلا بد لأهل النار من أن ينحدر إليها مَن كان فوقها فيأكلون منها ، وكذلك يصعد إليها من كان أسفل. فلما نزلت هذه الآية في شجرة الزقوم قالت كفار قريش : ما نعرف هذه الشجرة . فقدم عليهم رجل من إفريقية فسألوه فقال : هو عندنا الزُّبْد والتّمر . فقال ابن الزِّبَعْرى : أكثر الله في بيوتنا الزقوم . فقال أبو جهل لجاريته : زَقِّمينا؛ فأتته بزبد وتمر . ثم قال لأصحابه : تَزَّقموا؛ هذا الذي يخوّفنا به محمد؛ يزعم أن النار تنبت الشجر ، والنار تحرق الشجرا

[فمالئون منها البطون ] أي فمالئون بطونكم من تلك الشجرة الخبيثة ، لغلبة الجوع عليكم

[فشاربون عليه من الحميم ] أي فشاربون عليه الماء الحار الذي اشتد غليانه. وهو الماء المغليّ الذي قد اشتد غليانه وهو صديد أهل النار

[فشاربون شرب الهيم] أي فشاربون شرب الإبل العطاش ، قال ابن عباس : الهيم : الإبل العطاش التي لا تروى لداء يصيبها وقال أبو السعود : إنه يسلط على أهل النار من الجوع ، ما يضطرهم إلى أكل الزقوم ، الذي هو كالمهل ، فإذا ملأوا منه بطونهم - وهو في غاية الحرارة والمرارة - سلط عليهم من العطش ، ما يضطرهم إلى شرب الحميم ، الذي يقطع أمعاءهم ، فيشربونه شرب الهيم ، وهي الإبل التي بها الهيام ، وهو داء يصيبها فتشرب ولا تروى

[هذا نزلهم يوم الدين ] أي هذه ضيافتهم وكرامتهم يوم القيامة ، وفيه تهكم بهم ، قال الصاوي : والنزل في الأصل : ما يهيأ للضيف أول قدومه من التحف والكرامة، فتسمية الزقوم نزلا تهكم بهم وسخرية!

لما ذكر تعالى الأشقياء المجرمين وأحوالهم في نار جهنم ، ذكر هنا الأدلة والبراهين على قدرة الله ووحدانيته ، فى بديع خلقه وصنعه ، لتقوم الحجة على المنكر المكذب بوجود الله ، وختم السورة الكريمة بالتنويه بذكر أهل السعادة ، وأهل الشقاوة ، والسابقين إلى الخيرات ، ليكون ذلك كالتفصيل لما ورد في أول السورة من الإجمال ، والإشادة بذكر مآثر المقربين في البداية والمآل .

[نحن خلقناكم فلولا تصدقون ] أي نحن خلقناكم أيها الناس من العدم ، فهلا تصدقون بالبعث ؟ فإن من قدر على البدء ، قادر على الإعادة

[أفرأيتم ما تمنون ] أي أخبرونى عما تصبونه من المني ، في أرحام النساء !!

[ءأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون] ؟ أي هل أنتم تخلقون هذا المنى بشرا سويا، أم نحن بقدرتنا خلقناه وصورناه ؟ قال القرطبي : وهذا احتجاج على المشركين ، وبيان للآية الأولى ، والمعنى : إذا أقررتم بأنا خالقوه لا غيرنا فاعترقوا بالبعت (( يقول شهيد الدعوة "سيد قطب ، فى تفسيره الظلال ما نصه : "هذه هي الحقيقة الهائلة المتكررة في كل لحظة ، ينساها الإنسان لتكرارها أمام عينيه ، وهي أعجب من كل عجيب تبدعها شطحات الخيال ! ! نطفة تمنى وتراق وهي من إفرازات هذا الجسد الإنساني الكثيرة ، كالعرق ، والدمع " والمخاط ، فاذا هي بعد فترة من الزمن إنسان سميع بصير، وإذا هذا الانسان ذكر وانثى! ! كيف تمت هذه العجيبة التي لم تكن - لولا وقوعها - تخطر على الخيال ؟ ! أين كان هذا الإنسان كامنا بعظمه ولحمه وجلده ، وعروقه وشعره وأظافره ، وخلائقه وطباعه ؟ أي قلب بشري يقف أمام هذه الحقيقة الهائلة العجيبة، ثم يتمالك أو يتماسك - فضلا عن أن يجحد ويتبجح - ويقول : إنها وقعت هكذا والسلام ؟ ! إن دور البشر في أمر هذا الخلق ، لا يزيد على أن يودع الرجل ما يمني رحم امرأة، ثم ينقطع عمله وعملها، وتأخذ يد القدرة في العمل وحدها في هذا الماء المهين ، تعمل وحدها في خلقه وتنميته ، وبناء هيكله ونفخ الروح فيه ، ومنذ اللحظة الأولى تتم المعجزة، وتقع الخارقة التى لا يصنعها إلا الله ، وهذا القدر من التأمل يدركه كل إنسان ، وهذا يكفي لتقدير هذه المعجزة والتأثر بها ، ولكن قصة هذه الخلية الواحدة منذ ان تمنى قصة أغرب من الخيال ، هذه الخلية الواحدة تبدأ في الانقسام والتكاثر، فاذا هي بعد فترة ملايين الملايين من الخلايا، كل مجموعة من هذه الخلايا ذات خصائص عجيبة، فهذه خلايا عظام ، وهذه خلايا عضلات ، وهذه خلايا جلد، وهذه خلايا أعصاب . . ثم هذه خلايا لعمل عين ، وهذه لعمل لسان ، وهذه لعمل أذن ، وكل منها تعرف مكان عملها، فلا تخطىء خلايا العين مثلا فتطلع في البطن أو القدم ، فسبحان العظيم القدير القائل {ءأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون } ))

[نحن قدرنا بينكم الموت] أي نحن قضينا وحكمنا عليكم بالموت وساوينا بينكم فيه ، قال الضحاك : ساوى فيه بين أهل السماء والأرض ، سواء فيه الشريف والوضيع ، والأمير والصعلوك. احتجاج أيضاً ، أي الذي يقدر على الإماتة يقدر على الخلق ، وإذا قدر على الخلق قدر على البعث .

[وما نحن بمسبوقين ] أي وما نحن بعاجزين

[على أن نبدل أمثالكم ] أي على أن نهلككم ونستبدل قوما غيركم ، يكونون أطوع لله منكم ، كقوله تعالى : [إن نشأ نذهبكم ونأت بخلق جديد]

[وننشئكم فيما لا تعلمون ] أي ولسنا بعاجزين أيضا أن نعيدكم يوم القيامة، في خلقة لا تعلمونها ، ولا تصل إليها عقولكم ، والغرض أن الله قادر على أن يهلكهم ، وأن يحييهم ، وأن يبعثهم يوم القيامة ، ففي الآية تهديد، واحتجاج على البعث . وقال الطبريّ : المعنى نحن قدّرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم بعد موتكم بآخرين من جنسكم ، وما نحن بمسبوقين في آجالكم؛ أي لا يتقدّم متأخر ولا يتأخر متقدّم

[ولقد علمتم النشأة الأولى] أي ولقد عرفتم أن الله أنشأكم من العدم ، بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا ، فخلقكم من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قال فى سورة النحل 78 : وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)

[فلولا تذكرون ] أي فهلا تتذكرون بأن الله قادر على إعادتكم ، كما قدر على خلقكم أول مرة ؟ [أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا]؟ !

[أفرأيتم ما تحرثون ] هذه حجة أخرى على وحدانية الله وقدرته ، أي أخبروني عن البذر الذي تلقونه في الطين

[ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ]؟ أي أأنتم تنبتونه وتنشئونه ، حتى يكون فيه السنبل والحب ؟ أم نحن الفاعلون لذلك ؟ فإذا أقررتم أن الله هو الذي يخرج الحب وينبت الزرع ، فكيف تنكرون إخراجه الأموات من الأرض ؟

والزرع من فعل الله تعالى وينبت على اختياره لا على اختيارهم . وكذلك ما روى أبو هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يقولنّ أحدكم زرعتُ وليقلْ حرثتُ فإن الزارع هو الله " قال أبو هريرة : ألم تسمعوا قول الله تعالى : { أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزارعون } . والمستحب لكل من يُلقي البذر في الأرض أن يقرأ بعد الاستعاذة { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } الآية ، ثم يقول : بل الله الزارع والمنبت والمبلغ ، اللهم صلّ على محمد ، وارزقنا ثمره ، وجنّبنا ضرره ، واجعلنا لأنعمك من الشاكرين ، ولآلائك من الذاكرين ، وبارك لنا فيه يا ربّ العالمين . ويقال : إن هذا القول أمان لذلك الزرع من جميع الآفات : الدود والجراد وغير ذلك؛ سمعناه من ثقة وجُرِّب فوُجِد كذلك

[لو نشاء لجعلناه حطاما] أي لو أردنا لجعلنا هذا الزرع ، هشيما متكسرا، لا ينتفع به في طعام ولا غيره ، قال القرطبي : والحطام : الهشيم الهالك الذي لا ينتفع به في مطعم ولا غذاء، فنبههم بذلك على أمرين : أحدهما : ما أولاهم به من النعم في زرعهم ليشكروه الثاني : ليعتبروا في أنفسهم ، فكما أنه تعالى يجعل الزرع حطاما إذا شاء ، كذلك يهلكهم إذا شاء ، ليتعظوا فينزجروا

[فظلتم تفكهون] أي فظللتم وبقيتم تتفجعون وتحزنون على الزرع ، مما حل به وتقولون :

[إنا لمغرمون ] أي إنا لمحملون الغرم في إنفاقنا حيث ذهب زرعنا ، وغرمنا الحب الذي بذرناه (( قال الضحاك "مغرمون " من الغرم ، والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض ، وقال ابن عباس : معذبون والغرام العذاب )).

[بل نحن محرومون ] أي بل نحن محرومون الرزق ، غرمنا قيمة البذر ، وحرمنا خروج الزرع . وعن أنس : " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرّ بأرض الأنصار فقال : «ما يمنعكم من الحرث» قالوا : الجدوبة؛ فقال : «لا تفعلوا فإن الله تعالى يقول أنا الزارع إن شئت زرعت بالماء وإن شئت زرعت بالريح وإن شئت زرعت بالبذر» " ثم تلا { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } { أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزارعون } .

[أفرأيتم الماء الذي تشربون ] أي أخبروني عن الماء الذي تشربونه عذبا فراتا، لتدفعوا عنكم شدة العطش

[ءأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ] أي هل أنتم الذين أنزلتموه من السحاب ؟ أم نحن المنزلون له بقدرتنا؟ قال الخازن : ذكرهم تعالى نعمته عليهم بإنزال المطر، الذي لا يقدر عليه إلا الله عز وجل

[لو نشاء جعلناه أجاجا] آي لو شئنا لجعلناه ماء مالحا شديد الملوحة، لا يصلح لشرب ولا لزرع ، قال ابن عباس : [أجاجا] شديد الملوحة ، وقال الحسن : مرا زعافا لا يمكن شربه

[فلولا تشكرون ] اي فهلا تشكرون ربكم على نعمه الجليلة عليكم ؟! وفي الحديث أن النبي (ص) كان إذا شرب الماء قال : (الحمد لله الذي سقانا عذبا فراتا برحمته ، ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا)لماذا جاء في الآية ذكر الماء الأجاج - أي المالح -؟ إن الآية تشير إلى أن الماء الذي نشربه - ماء المطر- أصله كله من الأرض ، كما قال تعالى [أخرج منها ماءها ومرعاها] وهو من مياه البحر المالحة ، ولكن الله بقدرته يجعله حلوا عن طريق الأبخرة المتصاعدة من البحار بواسطة أشعة الشمس ، فالمطر إذا (تحلية ربانية) ولو شاء الله لأنزله علينا كما أخرجه من البحر مالحا ، مرا زعافا ، يضر ولا ينفع ، فما أعظم نعمة الله على عباده ، بنزول مياه الأمطار؟ الخارجة من البحار ، دون الآت ولا مضخات كما يصنع البشر فى تحلية مياه البحر!!

[أفرأيتم النار التي تورون ] أي أخبروني عن النار التي تقدحونها وتستخرجونها من الشجر الرطب

[ءأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ] أي هل أنتم الذين خلقتم شجرها؟ أم نحن الخالقون المخترعون ؟ وأراد جميع الشجر، الذي توقد منه النار ، لما روي عن ابن عباس أنه قال : ما من شجرة ولا عود إلا وفيه النار، سوى العناب

[نحن جعلناها تذكرة] أي جعلنا نار الدنيا تذكيرا للنار الكبرى "نار جهنم" إذا رآها الرائي ذكر بها نار جهنم ، فيخشى آلله ويخاف عقابه ، وفي الحديث : (ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، فقالوا يا رسول الله : إن كانت لكافية!! فقال : والذي نفسي بيده ، لقد فضلت عليها بتسعة وتسعين جزءا، كلهن مثل حرها)

[ومتاعا للمقوين] أي ومنفعة للمسافرين ، قال ابن عباس : [المقوين] المسافرين ، وقال مجاهد : للحاضر والمسافر ، المستمتعين بالنار من الناس أجمعين قال الخازن : والمقوي النازل في الأرض القواء - وهي الأرض الخالية البعيدة عن العمران - والمعنى أنه ينتفع بها أهل البوادي والسفار ، فإن منفعتهم أكثر من المقيم ، فإنهم يوقدون النار بالليل ، لتهرب السباع ، ويهتدي بها الضال ، إلى غير ذلك من المنافع ، وهو قول أكثر المفسرين .. ولما ذكر د لائل القدرة والوحدانية في الإنسان ، والنبات ، والماء ، والنار ، أمر رسوله بتسبيح الله الواحد القهار، فقال سبحائه :

[فسبح باسم ربك العظيم ] اي فسبح يا محمد ربك ، عما أضافه إليه المشركون ، من صفات العجز والنقص ، وقل : سبحان من خلق هذه الأشياء بقدرته ، وسخرها لنا بحكمته ، سبحانه ما أعظم شأنه ، وأكبر سلطانه !! عدد سبحانه وتعالى نعمه على عباده ، فبدأ بذكر خلق الإنسان فقال : [أفرأيتم ما تمنون ] ثم بما به قوامه ومعيشته وهو الزرع فقال : [أفرأيتم ما تحرثون ]ثم بما به حياته وبقاؤه وهو الماء فقال : [أفرأيتم الماء الذى تشربون ] ثم بما يصنع به طعامه ، ويصلح به اللحوم والخضار وهو النار ، فقال : [أفرأيتم النار الي تورون ] فياله من إله كريم ، ومنعم عظيم !! ثم شرع بالقسم على جلال القرآن ورفعته ، وعلو شأنه ومنزلته ، وأنه تنزيل العزيز الحكيم ، فقال سبحانه :

[فلا أقسم بمواقع النجوم ] اللام لتأكيد الكلام وتقويته ، وزيادة "لا" كثير في كلام العرب ومشهور ، قال الشاعر : تذكـرت ليلى فاعترتني صبابة وكـاد نـيـاط الـقـلب لا يـتـقـطـع أي كاد يتقطع ، قال القرطبي "لا" صلة في قول أكثر المفسرين ، والمعنى "فأقسم " بدليل قوله بعده : [وإنه لقسم ]أي فأقسم بمنازل النجوم وأماكن دورانها في أفلاكها وبروجها . المناسبة بين المقسم به وهو (النجوم ) وبين المقسم عليه وهو (القرآن )

[فلا أقسم بمواقع النجوم " وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم ، أن النجوم جعلها الله ليهتدي بها الناس في ظلمات البر والبحر، وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الجهل والضلالة ، وتلك ظلمات حسية ، وهذه ظلمات معنوية، فالقسم هنا جاء جامعا بين الهدايتين : الحسية للنجوم ، والمعنوية للقرآن ، فهذا وجه المناسبة . وقال الضحاك : هي الأنواء التي كان أهل الجاهلية يقولون إذا مُطِروا قالوا مُطِرنا بنَوْء كذا .

[وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ] أي وإن هذا القسم العظيم جليل ، لو عرفتم عظمته لآمنتم وانتفعتم به ، لما في القسم به من الدلالة على عظيم القدرة ، وكمال الحكمة ، وفرط الرحمة ، ومن مقتضيات رحمته تعالى أن لا يترك عباده سدى (( لم يكن المخاطبون يعلمون عن مواقع النجوم إلا القليل ، أما في هذا العصر فقد ظهرت معجزة القرآن ، يقول الفلكيون : إن مجموعة واحدة من المجموعات التي لا تحصى في الفضاء الهائل ، الذي لا نعرف له حدودا ، مجموعة واحدة هي "المجرة" التي تنتسب إليها أسرتنا الشمسية تبلغ ألف مليون نجم ، وإن من هذه النجوم والكواكب التى تزيد على عدة "بلايين " نجم منها ما يمكن رؤيته بالعين المجردة، وما لا يرى إلا بالمجاهر والأجهزة ، هذه كلها تسبح في الفلك الغامض ، ولا يوجد أي احتمال أن يقترب نجم من مجال نجم اخر، أو يصطدم بكوكب آخر، إلا كما يحتمل تصادم مركب في البحر الأبيض بآخر في المحيط الهادي ، يسيران باتجاه واحد وبسرعة واحدة وهو احتمال بعيد جدا إن لم يكن مستحيلا )).

[إنه لقرآن كريم ] هذا هو المقسم عليه ، والمعنى : أقسم بمواقع النجوم إن هذا القرآن قرآن كريم ، ليس بسحر ولا كهانة وليس بمفترى، بل هو قرآن كريم مجيد، جعله الله معجزة لنبيه محمد (ص)وهو كثير المنافع والخيرات والبركات

[في كتاب مكنون ] أي في كتاب مصون عند الله تعالى ، محفوظ عن الباطل ، وعن التبديل والتغيير، قال ابن عباس : هو اللوح المحفوظ ، وقال مجاهد : هو المصحف الذي بأيدينا

[لا يمسه إلا المطهرون ] أي لا يمس ذلك الكتاب المكنون إلا المطهرون ، وهم الملائكة الموصوفون بالطهارة من الشرك والذنوب والأحداث ، أو لا يمسه إلا من كان متوضئا طاهرا، قال القرطبي : المراد بالكتاب (المصحف ) الذي بأيدينا وهو الأظهر، لقول ابن عمر "لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر" ولكتاب رسول الله (ص)لعمرو بن حزم "وألا يمس القرآن إلا طاهر) ((اخرجه مالك في الموطأ والحاكم فى المستدرك ، وهذا الحديث أخذ به جميع الفقهاء كدليل على حرمة مس المصحف بدون طهارة )).

[تنزيل من رب العالمين ] أي منزل من عند الله جل وعلا .. ثم لما عظم أمر القرآن ومجد شأنه ، وبخ الكفار فقال سبحانه :

[أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ] أي أفبهذا القرآن يا معشر الكفار تكذبون وتكفرون ؟

[وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ] أي وتجعلون شكر رزقكم ، أنكم تكذبون برازقكم ؟ وهو المنعم المتفضل عليكم ؟ عن أبي عبد الرحمن، عن عليّ، عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال "( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) قال: شُكْرَكُمْ أنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ، قال: ويقولون مطرنا بنوء كذا وكذا".

[فلولا إذا بلغت الحلقوم ] أي فهلا إذا بلغت الروح الحلقوم ، عند معالجة سكرات الموت

[وأنتم حينئذ تنظرون ] أي وأنتم في ذلك الوقت تنظرون إلى المحتضر، وما يكابده من شدائد وأهوال

[ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ] أي ونحن بعلمنا وإطلاعنا أقرب إلى الميت منكم ، ولكن لا تعلمون ذلك ، ولا تبصرون ملائكتنا الذين حضروه لقبض روحه ، قال ابن كثير : ومعنى الآية : ملائكتنا أقرب إليه منكم ، ولكن لا ترونهم ، كما قال تعالى : [حتى إذا جاء أحدهم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ]

[فلولا إن كنتم غير مدينين ] أي فهلا إن كنتم غير مجزيين بأعمالكم كما تزعمون

[ترجعونها إن كنتم صادقين ] أي تردون روح هذا الميت إلى جسده ، بعد ما بلغت الحلقوم ، قال ابن عباس : [غير مدينين ] أي غير محاسبين ولا مجزيين ، قال الخازن : أجاب عن قوله : [فلولا إذا بلغت الحلقوم ] وعن قوله : [فلولا إن كنتم غير مدينين ] بجواب واحد وهو قوله : [ترجعونها إن كنتم صادقين ] ومعنى الآية : إن كان الأمر كما تقولون ، أنه لا بعث . ولا حساب ، ولا إله يجازي ، فهلا تردون نفس من يعز عليكم إذا بلغت الحلقوم ؟ وإذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن الأمر إلى غيركم ، وهو الله تعالى فآمنوا به .. ثم ذكر تعالى طبقات الناس عند الموت وعند البعث ، وبنن درجاتهم في الآخرة، فقال سبحانه :

[فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم ] أي فأما إن كان هذا الميت من المحسنين ، السابقين بالدرجات العلا ، فله عند ربه استراحة ورزق حسن ، وجنة واسعة يتنعم فيها ، قال القرطبي : والمراد بالمقربين السابقون المذكورون في أول السورة . عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، في قوله:( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) قال: الرَّوْح: الفرح، والرَّيحان: الرزق. و عن الحسن( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) قال: تخرج روحه في ريحانة.

[وأما إن كان من أصحاب اليمين ] أي وأما إن كان المحتضر من السعداء أهل الجنة، الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم

[فسلام لك من أصحاب اليمين ] أي فسلام لك يا محمد منهم ، لأنهم في راحة وسعادة ، ونعيم دائم . فيه ثلاثة أقوال . أحدها : فسلامة لك من العذاب ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : تسلِّم عليه الملائكة ، وتخبره أنه من أصحاب اليمين ، قاله عطاء . والثالث : أن المعنى : أنك ترى فيهم ما تحب من السلامة . وقد علمت ما أُعدَّ لهم من الجزاء ، قاله الزجاج .

[وأما إن كان من المكذبين الضالين ] أي وأما إن كان المحتضر من المنكرين للبعث ، الضالين عن الهدى والحق

[فنزل من حميم ] أي فضيافتهم التي يكرمون بها أول قدومهم ، الحميم الذي يصهر البطون لشدة حرارته ، قال في التسهيل : النزل أول شيء يقدم للضيف

[وتصلية جحيم ] أي ولهم إصلاء بنار جهنم ، وإذاقة لهم من حرها

[إن هذا لهو حق اليقين ] أي إن هذا الذي قصصناه عليك يا محمد من جزاء (السابقين ، والسعداء ، والأشقياء)، لهو الحق الثابت ، الذي لا شك فيه ولا ريب ، وهو عين اليقين الذي لا يمكن انكاره

[فسبح باسم ربك العظيم ] أي فنزه ربك عن النقص والسوء ، وعما يصفه به الظالمون ، ولما نزلت هذه الآية الكريمة قال النبى (ص): "اجعلوها في ركوعكم ، ولما نزلت [سبح اسم ربك الأعلى] قال (ص) : اجعلوها في سجودكم .

والله اعلم بالصواب



Tidak ada komentar: